معافا: الشاعرية في السرد منزلق خطر.. ورمزيتي تبحث عن قارئ معين

معافا: الشاعرية في السرد منزلق خطر.. ورمزيتي تبحث عن قارئ معين

حاورنه: طالبات مادة الأسلوب وتحليل النصوص، قسم اللغة العربية بجامعة عبدالعزيز بجدة - سمية صنعان - سارة العتيبي - آلاء بن حريز، أميمة شويع. تحت إشراف الأستاذة أحلام حادي


الأربعاء 12/03/2014

إن المطلع على المجموعة القصصية «أصّعّد في السماء» للقاص العباس معافا سيلحظ بوضوح اتخاذها من فضاء الغيبيات، ممثلة في الجن، محورًا رئيسًا في كل قصص المجموعة، وهو أمر علله معافا برغبته في توثيق «الخرافة والأسطورة» لما لمسه من اتجاهها نحو النسيان، مشيرًا إلى أن بعضًا من هذه القصص استمع إليها في طفولته، وعند صياغتها في مجموعته لم يجردها من حقيقتها، ولكنه «قام بعمل قالب أكبر لها مع بعض الإضافات التي تجعل الفكرة تنتقل من حيز الحكاية إلى عالم القصة».. وبرغم أن معافا يعتبر الشاعرية في السرد منزلقًا خطيرًا لكنه لم يسلم من الوقوع فيها، وله مبرر في ذلك طي الحوار، كما سيبرر للقارئ أيضًا أسباب جنوحه للرمزية في بعض قصصه، وسبب تركيزه على «العروج»، ومتى التقارب أو الابتعاد بينه وبين شخوص قصصه، وغير ذلك من المحاور الأخرى.

أسطورة وخرافة
* لم جعلت أقاصيص مجموعتك تدور في فلك الغيبيات «الجن» بدلًا من القضايا الواقعية؟ 
لم تكن القضية في نوعية الطرح، بل في ماهية الطرح، كقاص أنت تحتاج إلى مادة أو تجربة، حين بدأت في كتابة المجموعة كنت ممتلئًا بالفكرة والتجربة تمامًا، لم يدر في خلدي ماذا سأكتب، ولكن اتجاهي كان منصبًا على هذه التجربة، كون الخرافة والأسطورة لدينا بدأت تتجه للنسيان، لذا ارتأيت أن أجمع مادتي بين دفتي كتاب للتوثيق، الأفكار كانت حاضرة في مجملها، وهي ترتكز على الأسطورة والخرافة، لذا خرجت المجموعة بهذا الشكل.
* للعروج التي تنتشر في الجنوب حضور رمزي مهيمن في المجموعة، فهل اخترتها لانتشارها الجغرافي المحدد لهوية الأرض أم لأسباب ذاتية خاصة؟
الانتشار الجغرافي للعروج في المكان الذي دارت فيه الأحداث كان سببًا في ذلك، لكن المحفز الأساسي كان في ارتباطي الداخلي بالمكان، لذا كانت العوالم في مجملها مرتبطة بالعروج، لأنني عايشت المكان وكان جزءًا كامنًا في الذاكرة. 

منزلق خطر
* يتسم أسلوبك السردي بالشاعرية.. فهل هي سمة أسلوبية تصاحب البدايات غالبًا ولماذا؟
الشاعرية في السرد منزلق خطر لا بد أن يتجاوزه القاص، وأنا أعتبر هذا السؤال حقيقا بالإجابة، في البدايات يتركز الاهتمام بالمفردة والجمل القصيرة، وغالبًا ما يشعر القارئ بالشعرية في ذلك، لأن التركيز يكون منصبًا على اللغة مع إهمال الجوانب الأخرى، لكن حين يستغرق الكاتب في مده السردي تتضح له الصورة، وهي أن اللغة ليست إلا جزءًا من الاشتغال، تُشكِّل مع الأجزاء الأخرى سردًا لا تتخلله الشعرية.
* في بعض قصص المجموعة غموض يجنح إلى الإبهام الملغز، فهل هو متعمد لتحدي القارئ وتحفيزه لفك شفرته؟
نستطيع أن نسمي ذلك بالرمزية، كون الرمزية إحدى المدارس التي يُعنى بها السرد، ككاتب أحتاج إلى الرمزية للبحث عن قارئ معين، في إيجاد معنيين، أحدهما قريب والآخر بعيد، المعنى القريب في متناول الجميع، أما المعنى البعيد فهو ضالة القارئ الذي أبحث عنه، لو اعتمد الكاتب -أي كاتب- على الوضوح لكان سرده غير لافتٍ وساذج، عنصر المفاجأة في النص القصصي مطلب للقارئ قبل أن يكون ملمحًا للكاتب في نصه، كذلك عنصر الإدهاش في النص، لا أقول بأن المبالغة في الرمزية هي الوصفة السحرية للقاص، ولكن إذا زادت نسبة الغموض في أي نص قصصي سيقابل بالرفض، خاصة مع عدم إدراج مفاتيح داخل النص يستخدمها القارئ لفك شفرة الغموض، إذن لا بد أن يدرك الكاتب مدى إغراقه في الغموض، والاحتيال والتحايل بإعطاء خطوط فرعية للقارئ ليسلكها في لحظة إفلاته لخيوط النص.

لحظة فاصلة
* الراوي في مجموعتك يميل إلى التطلعات الخطرة.. فهل هي سمة العباس معافا؟
لا أدري ماذا قُصِدَ بتطلعات خطرة، ولكني أفهم من السؤال هل أنا ممن يمارس سُلطة على أبطاله أم لا؟ حينها أقول بأني أسعى جاهدًا للفصل بين شخصيتي وشخوصي، لذا أنا منفصل عنهم، وهذا لا يمنع أن أتقاطع معهم في حالات معينة، وربما أفهم أيضًا بأني أحاول -من خلال نصوصي- التكهن بالمستقبل، أو استقراء المستقبل، فأقول ربما تشي بعض النصوص بذلك، وهي حالة لا وعي قد يدركها الكاتب فيما بعد، لكنها في مجملها سير طبيعي للأحداث، تأتي دون إحداث أو تكلف، أنا أحاول ككل كاتب أن أصنع لحظة مغايرة تمامًا، لذا أنا بين شخوصي ماثل دون قياس للحظة الفاصلة بيني وبينهم.
* ذكرت سماعك طفلًا للحكايات الخرافية التي أوردت بعضها في مجموعتك، فإلى أي مدى كان التزامك بروايتها الأصلية؟
الفكرة في مجملها باقية، ولكن لكي تُخرجها من الجانب الحكائي إلى كونها قصة، سينتج عن ذلك إلباس الفكرة ثوبًا مغايرًا، فالفكرة موجودة لدى الجميع، السؤال في ماهية الإضافات التي سأجنح إليها كقاص لإحداث الفرق، أيضًا هناك جانب استثمار الحكاية واستغلالها لنقد حال ما، أو استقراء للحاضر برؤية مستقلة، الحكاية تختلف عن القصة كونها لا تتقيد بنظام معين، بيد أن القصة مقيدة، الرواية الأصلية موجودة ولكن تضاف إليها الصنعة السردية أو نكهة الكاتب الخاصة، لذا فأنا لم أجرد الحكاية من حقيقتها، ولكني قمت بعمل قالب أكبر لها مع بعض الإضافات التي تجعل الفكرة تنتقل من حيز الحكاية إلى عالم القصة.
ثراء معرفي وتخيلي

* علمت من سؤالي جدتي عن بعض الحكايات معايشتها الذاتية لأحداث شعلة الجني التي هدتها وهي تائهة في الصحراء إلى خيمتها. هل لهذه الحكايات أصول في الواقع الفعلي أو الموروث الشعبي القديم أم هي ثمرة المخيلة الجمعية في منطقة جازان؟
نعم هي كانت في الماضي واقعًا مؤثرًا، كموروث شعبي اشتغل عليها الحاكي؛ أطَّرَها ما بين الأسطورة والخرافة، امتزجتْ مع حياتنا لتصبح مؤثرة في تشكيل عقلية جيل بأكمله، الخرافة والأسطورة هي نتاج أكثر من عامل كالخوف والغربة والحاجة والتعليم أيضا، لم تأت الأساطير من فراغ، لكنها كانت حاجة ملحة في كل الثقافات، فلو انتقلنا إلى الآداب الغربية لوجدنا الأسطورة والخرافة تأخذ بعدًا حياتيًا واضحًا، كذلك في الأدب العربي الأسطورة والخرافة موجودة بقوة، لذلك فهي موروث حقيق بالبقاء، لأن الحاجة إليها هي من أوجدتها وجعلت لها هذا الثراء المعرفي والتخيلي.


آخر تحديث
6/13/2016 8:38:54 PM