د. أشرف سالم

مين؟ .. صرخة أنثوية مكتومة

بقلم: د. أشرف سالم

مين؟ .. هل هو الرقيب القاسي الذي يعد علينا أنفاسنا؟؛ أم هو فارس الأحلام ممتطي الجواد الأبيض؟؛ أم هو اللص الذي يتسلق الأسوار ويتسلل من الأبواب؟؛ أم هو الشبح الهلامي الذي يحمل لنا جعبةً من الأحلام والأوهام والهواجس والهلاوس؟.

هذا القادم المجهول على "فضة" هو عندها ذكر؛ فخطواته (لا تفرقع كحذاء أنثى)، ولكنا لا نستطيع الجزم بذكورته ولا أنوثته؛ فهو لا يظهر لها سوى ككرةٍ سوداء صامتة متلفحة بهالة ضبابية من الغبار، مما يبرر لها سؤالها الدائم المتكرر "مين؟".

بائسةٌ حياتها "فضة" كل ما فيها روتيني ممل؛ أبٌ مستهتر وأمٌ مهمشة وشقيقات بنات هن مثلها قليلات الحيلة، ولذلك لم تجد سبيلاً للانعزال والهروب من تلك الحياة البائسة إلا خوذتها؛ التي ما أن تلبسها تنعزل عن الضوضاء من حولها وتدير ظهرها لرفيقات غرفتها؛ لتنفرد بها المرأة النجمية الغامضة فتحملها من تحت أبطيها وتطير بها إلى عالم الأحلام الوهمية الزائفة.

كلُ جميلٍ عند "فضة" هو وافدٌ مستورد؛ فإحساس الأنوثة تجده في قميص زوجة أبيها السورية؛ وزهور العرس الرومنسية زرعتها في كفها أيضًا تلكم الشامية؛ بل حتى حنين الأمكنة والأزمنة والأطعمة؛ مستوردٌ من نفس المصدر.

أما مصادر المتعة والبهجة عندها فهي ساذجة بلهاء؛ تجدها في مكالمات خاطفة من طرفٍ واحد لهذا الفتى المراهق المغامر "علي"؛ تنتشي بها روحها فتذهب بعدها لإشباع الجسد بالبطاطس المقلية. 

لا سعادة ولا جمال في حياة "فضة" إلا في الدور العلوي الذي لا تعيش فيه أصلاً بل تتسلل إليه خلسة عند غياب الآخرين، أو في الباحة الخارجية التي تتحرك فيها في حذرٍ تتوجس خيفةً، أو تحت الخوذة التي تعزلها عن العالم.

يأبى البؤس إلا أن يطارد "فضة" أنى ذهبت فيرافقها من بيت الأسرة إلى بيت العريس؛ عريس لا يملك قط أيًّا من مواصفات ومقومات فارس الأحلام فهذا القصير هو من وقع اختيار الأب السكير عليه ليبيع له فضة بدراهم تكفي لدفع مهر ابنه لعروسٍ بائسةٍ أخرى؛ وما تبقى منه يقيم بالكاد عُرسًا متواضعًا بائسًا، وعندما تنفر من هذا الزوج وتريد الفكاك؛ تنصحها أمها الصابرة البائسة بأن تنتظر المزيد من الأغلال والأكبال قبل أن تتخذ القرار.

مين؟ .. هي صرخة مكتومة من أنثى مهمشة بائسة؛ في بيئةٍ تحكمها ذكورية جائرة لا تسمح لها بأن تعيش أنوثتها إلا في السر أو في الخيال.

 


آخر تحديث
3/16/2018 1:51:39 PM